الكتابة في زمن الرّداءة
سلسلة حلّق فكرك (10)
الكتابة في زمن الرّداءة
الكتابة في زمن الرّداء ة
متعبة حقّا و مكلفة ... هي كالنار الملتهبة ، الشديدة السعار التي تأكل أعصابك ، و
بقايا أفكارك أو قل هي اعصار مدمّر لا يُبقي و لا يدر...فالذين تكتب لهم لا يفهمون
لغتك و لا تهمّهم أطروحات أفكارك بل لا يؤمنون حتى بالحروف و الكلمات التي وظّفتها
في كتاباتك و بعض أساليبك... أنت تكتبُ لنفسك ليس إلاّ ، و تجتهد لإقناع نفسك بأنّك
تكتب و لا تنتظر أو تتوقع ردة فعل أو استجابة فطرية أو عكسية من أناس كالأصنام لا تؤثّر
فيهم أعاصير الفكر الهائجة و لا سيول الدموع المنصبّة ، ولا براكين الدم القانية ،
و لا صرخات المعذّبين فوق الأرض و تحت الأرض ... لغة زمن الرّداءة الوحيدة هي ضمير
المتكلم "أنا"...
كم مرّة يتعثّر القلم و هو
في أوجّ عطائه و في بدايات ربيعه لتنقلب الكلمات و الحروف مآثم حزن و كآبة و ترى الأفكار
تموت عند أوّل شهقة هواء....
حالة نفسيّة قاسية، مرعبة
و محبطة تُقحم الكاتب عنوة للدخول في براثنها القاتلة لتطحنه طحنا و تأتي على آخر أنفاس
الأمل ...أمل الإنسانية الذي يمثّله الفكر الحر و الكتابة المنطلقة...
زمن الرداءة يلزمك بأن تسلك
طريقا واحدا لا ثاني له ، يعيّنه في بداية الانطلاق و يشيد على جنباته أسوار من الإغراء
و أخرى من التخويف، و لا يترك لك فرصة اختيار سبيلا آخر ...زمن الرّداءة ينظر إلى كتابتك
كألواح إشهار تزيّن واجهات مصالحة الخاصة ...زمن الرّداءة قناعته الرّاسخة أن كلّ شيء
يباع و يشترى: الحروف والكلمات و الأفكار و الأشخاص و الأنفاس و البسمات
...
زمن الرداءة هذا تجرّد من
كلّ مشاعر الإنسانية من حبّ و حنان و رحمة و عطف.. تلك مصطلحات ميّتة في بنود دساتيره
و في فصول أعرافه... و لا يستعملها إلاّ الضعفاء و الجبناء و التافهين و المهمّشين...
قواعد اللعبة عنده هي نفس قواعد قوانين الغاب... زمن الرداءة يجبرك على اختيار الكلمات
و عدد الحروف و السطور و أنواع الخطوط .. زمن الرداءة يدفعك دفعا عنيفا لقتل المعاني
و هي في مهادها ... مدح مطلق أو موت محتّم.. معادلته في الاستمرار أمّا ضيق الرزق و
لعبة القط و الفأر ففنّ يتقنه جيّدا زمن الرداءة...
تعليقات
إرسال تعليق