عندما تتحدث العبرات...
·
عندما تتحدث العبرات...
لغة الّدموع عجيبة من عجائب
خلق الله ، و سرّ من أسراره أودعه في روح
من أحسن خلقه ثمّ هدى...
الدّموع آية تنمّ عن حقيقة
صاحبها ، و هي أثر يدلّ على الهيئة النفسية الباطنية للإنسان.....
الدّموع كالزئبق لا يستطيع
المرء أن يتحكم فيها ، فإن شاءت فاضت ، و إن شاءت انحصرت....
و الدّموع بعد ذلك مراتب....
و أعلى هذه المراتب و أجلها
دمعة سقطت من خشية الله تعالى لحظة تأمل أو فكر
أو ذكر، أو موعظة أو حبّ...و
أقل هذه الدّمعة رأس ذبابة ....
إنّها دمعة يحبّها الله تعالى
بل هي نور يقذفه الله تعالى في روع أحبائه فترى هالاته عبر سراديب الذّات البشرية ،
فتشع و تزهر و تخرج ثمارها بإذن الله تعالى دمعة حانية حارّة ، حبلى بالحبّ و الرّجاء
و الخوف و الشّوق....
إنّها دمعة أولياء الله تعالى
لا ينقطع نورها حتى يرث الله الأرض و من عليها ....
و لنا في قصص الأنبياء و الصالحين
شفاء العليل ... و لنا في رسول الله تعالى خاصة برد اليقين و قوة الدّليل إذ كان يُسمع
لبكائه أزيزا كأزيز المرجل ...و يلي هذه الدّمعة النّورانية دمعتين صادقتين لا ينفكّ
عنهما إنسان ، ذو كبدرطب ...
دمعة حزن و دمعة فرح
....
دمعة حزن سقطت من مصاب جلل
ألمّ بساحات القلب ....
إنها دمعة صدق ذرفت فأصابت
عصفورين في آن واحد ... عجبا من فعلها ... فهي برهان
عن استحكام العلاقة و أنّ
الأرواح جنود مجنّدة تعارفت فتآلفت ...
و هي ثانيا متسع و ملاذ تلجأ
إليه الرّوح الحزينة الكئيبة خوفا من الوقوع فيما فيه بأس شديد من كبت أو ضرر يصيب
البدن و الرّوح ....
و لسنا أقوى عودا من رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم ، و لا أجلد نفسا من حبيب الله تعالى حين وافى الأجل ابنه
وفلذة كبده ... فإذا الدّموع تنهل و تنصبّ و تردّد كلماته الضاربة آباد النفس البشرية
... '' إنّ العين لتدمع ، و إنّ القلب ليحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربّنا ... إنّا
لله و إنّا إليه راجعون ..
شكوت و ما الشكوى بعادة لي
...
و لكن الكأس تفيض حين امتلائها
و دمعة فرح غمرت أسرار الرّوح
فكانت كالمزنة التي أطلت من بعد سنين عجاف ... عجبا لسحرها و قديما تعجبت عائشة ر ضي
الله تعالى منها و من فعلها حين رأت أباها الصدّيق يبكي لاختيار الله تعالى له كثاني
اثنين...
و كم من أمّ هطلت دموعها للقاء
عزيز ... و كم من صديق عبرت عيناه لرؤية حبيب.. و كم من رجل دمعت عيونه لربح كبير لم
يتوقّعه...
و من الدموع دمعة خوف هجمت
في لحظة ضعف أحاطت بالنّفس من كلّ حدب وصوب ... دمعة هي للشجاعة أحوج ،و رحاب الأمل
أدعى..
دمعة تسدّ على النّفس آفاقا
و تغرس فيها رماح الكآبة و النّكد فتضيق على النّفس الأرض بما رحُبت و تنسى في لحظات
الضعف المشين حصون القوّة و قلاع العزّة و أنوار الرّجاء...
إنها دمعة سالت لقدوم هوْل
جارف صادف قلبا خاليا فتمكّن و فعل فيه أفاعيله ...
و حريّ بالنفس المؤمنة المطمئنة
أن تحبّس هذه الدمعة ، و تسجنها في أوعية
التّوكل على الله تعالى و
آبار حسن الثّقة بقضائه و قدره...
إن مثل هذه الدّمعة مثل المعول
يعمل فسادا في البناء الضخم المتراص و ذوو الّنفوس الكبيرة منها في حذر...
و لهذه الدّمعة مع ماضيها
شجون إذا حلّت بصاحبها ... ومن جنس هذه الدّمعة السّالفة دمعة هجمت من شرّ هول قادم
أو مستقبل متوقع ...
إنّها الوجه الآخر لدموع الخوف
، و إذا ما سقطت الرّوح في شراكهما كن الضرر أكيدا و الموت شنيعا
...
و سادس هذه الدّموع دمعة المحاكاة
... دمعت عين الحبيب ، فدمعت عيون الأحبة لدموع الحبيب ...
إنّها دمعة خطّ نورها صحابة
رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ... بكى الحبيب مرّة فبكى الصحابة لبكائه
...
ليس لهذه الدّمعة تفسير إلا
اتحاد أرواح الأحبة و توافقها و تناغمها ...
و أقلّ الدّموع شأنا و أحطها
مرتبة بل دركة ثلاثة دموع ... دمعة مداهنة ... و دمعة تمثيل ... و أخيرا دمعة نفاق
...
أمّا دمعة النفاق فلا خير
فيها و لا خير في صاحبها ... مقطوعة البركة، قصيرة الشأو ... سقطت من رحم عين نتنة
ميتة لا حراك فيها ... أراد صاحبها تحقيق مصلحة ضيقة أو مأرب زائل غير شريف
...
و أما دمعة المداهنة فهي دمعة
تضرّ من أُريقت لأجله و لا تنفع صاحبها ...
إنّها دمعة توحي بالحبّ و
الحرص و الصّدق فقط ... إنّما و هم و توهم إن كانت حقيقة موجودة مرئية
...
و أمّا دمعة التمثيل ففي الأفلام
الدرامية التراجيدية الشيء الكثير منها ... إنّها دمعة بلاستيكية مصنعة بماركات عالمية
... و بعد فهده الدّموع و لا تزال أخرى ... و تلك النّفوس فما توافق منها نفع و ما
تناكر منها أضرّ و لله الأمر من قبل و من بعد ...
تعليقات
إرسال تعليق