إطلالة على مقطوعة شعريّة .....

 إطلالة على مقطوعة شعريّة .....للشاعر الجزائري محمد شايطة

القصائد التي لا عنوان لها تترك الذهن حائرا و تلزمك بالخوض مباشرة في تفاصيلها دون معينات أوليّة و قد تفتح بابا من التأويلات ..هل هذه مقطوعة من قصيدة  معيّنة مقصودة لذاتها أراد بها الشاعر إيصال رسالة ما.. أم هل الشاعر أراد للقارئ أن يلج مباشرة    و دون مقدمات لأن فكرة القصيدة أهم بكثير من أن يتخذ لها معلما هاديا  أو أن يقدّم مفتاحا أوليّا لفكّ شفرات مقطوعاته...و قد يكون لا هذا و لا ذاك و لكن لحاجة في نفس يعقوب...
النّص :

التعبير بالرّكام يوحي للقارئ بأنّ الشّاعر يعيش ضغطا نفسيا كبيرا أنساه أهم تفاصيل الشّوق و ما تبقى منه إلاّ ركاما اجتاح نفسيته و لا لا يزال اجتياحه قائما و هذا ما يفيده توظيف الفعل المضارع الذي يفيد المستقبل...
ركام من الشوق يجتاحني

و في ظلّ هذا الاجتياح المتواصل الذي يُجهل مصادره لا يجد الشاعر ملاذا يلوذ به إلا الصمت النّازف شريانه ..و ما النّزف إلاّ دليل على عمق الجرح و استمرار معاناتها و شدّة معاركه النّفسية .. و "أنا" ضمير للمتكلّم يوحي بأن الشاعر لا يقاسم مأساته أحد و هذا ما زاد في من حدّة الألم و الشجن و الهمّ...
و أنا ليس لي
غير صمتي نزيفا

لكنّه يستدرك و يصرّح بأن ذلك الصمت النّازف ما هو إلاّ أغنية يتناثر فوق رباها بقايا مساء و كأنّه يشير بأنّ فجر الصباح آت لا محالة و ما بقاياه المهشّمة إلاّ دليلا على قرب الفرج و نهاية بكائية الشّوق النّازف...و التناثر تلميح إلى تناثر أرواق الخريف الصفراء من شدّة عواصف الشّوق المجتاحة ...

و في الصمت أغنية
يتناثر فوق رباها
هشيم المساء

في هذا المقطع الأخير يعبّر الشاعر عن احتدام معاركه النّفسية بين صيحات الصّدى و رجعه و تردداته و أصوات حفيف المدى الذي يراها ممتدّا أمامه ...فيلجأ إلى مناداة تلك الأصوات الخافتة التي تنبعث من حركة طبقات المدى التي يرى فيها فسحة للأمل و متنفسا لما يعانيه من صراعات نفسية خانقة ...فالشاعر يدرك لا محالة بأنّ قوّة الظلام تؤذن بانبلاج الفجر الصّادق...لذلك فهو لا يخشى قوة الأمواج المتلاطمة و لا رجع أصوات العواصف الهائجة و لا رحابة المدى الفارهة...


يموج الصدى
يا حفيف المدى
ضمني،، دلني،،
كي أعانق وجهي
و كي أستعيد زمانا تولى
و مرآة ظلي
و ما قد تبقى من الذكريات

و ها هو يخاطب ذلك الأمل الضئيل الذي يشبه صوت حفيف الأوراق بأن يضمّه إلى صدره عساه أن يدّله إلى باب الفرج ليخرج من تلك الدّوامة المتماوجة التي اجتاحته... فلربّما أستعاد ذلك الزّمن الجميل الذي أضاعه أو ضيّعه و يرى على الأقل ظلّه في مرآة الحياة التي أظلمت و فقدت بريقها و انعكاساتها...و ينقذ ما تبقى من ذكريات عالقة ..ذكريات نجت من هول ذلك الاجتياح الطامي...
و أخيرا فهذه المقطوعة تعكس بحق و عمق غربة الشاعر في زمن لا يحسن إلا المداهنة و المداراة و أصنافا من النّفاق و الظلم و النكران...
قسنطينة في 14.07.2020



























تعليقات