زخّات جماليّة من أشعار مختارة للشّاعرة الجزائرية سكينة مرباح
زخّات جماليّة من أشعار مختارة للشّاعرة
الجزائرية سكينة مرباح
السيّاحة مباركة في
مجاني حقول الشّعر ففيها الراحة و السكن ومنصوبة فيها موائد شتّى عامرة بما لذّ و
طاب من بليغ الكلم و جميل الحرف و سمو المعنى ..تلك هي مجاني شعر الشاعرة سكينة مرباح .. و بلغة عربية مبينة و ألفاظ قويّة رصينة و
معان شريفة عميقة تجرجرك جرّا إلى جمالياتها و فلسفتها في الحياة و نظرتها للحبّ و
الجمال...و بالمثال يتّضح المقال و يحلو المقام في تلك الظلال من خلال ثلاثة نصوص
اخترها دون ترتيب من إحدى موائدها الممتدة في حقولها الذهبية الصفراء..
تتعمّد الشاعرة عدم وضع
عناوين لزخّاتها الشعرية و أنفاسها المسترسلة مفضّلة الولوج إلى موائدها و
الاستمتاع بوليمتها الكبيرة على عادة العرب الحاتميين...
و اللافت للانتباه
الوحدة الموضوعية لهذه النصوص الثلاثة إذ يمكننا جمعها و قراءتها مجتمعة و لن يشعر أحدنا بالتنافر و لا التناقض أو
الشّتات فيها و هذا ملمح جمالي قلّ أن
تراه متجسدا إلاّ في القلة القليلة من شعر المتأخرين و المتأخرات...
الهايكو الأول:
· مذ كتبتك قصيدة
على البحر الطويل
وأنا أسبح وأسبح
بين مد وجزر
ولم أصل إليك
على البحر الطويل
وأنا أسبح وأسبح
بين مد وجزر
ولم أصل إليك
تختلط صورة الحبيب مع ملامح
القصيدة و يمتزجان إلى حدّ الاتحاد و الذوبان و يستحيل الحبيب المرقب و المنتظر
إلى قصيدة شعر يمكن ارتيادها على أيّ بحر شئت و في هذا نراها تجاري نزار قباني في
قصائده في المرأة ..لأنّ بحر الطويل من البحور التي تستوعب مساحات أكبر للبوح فقد
اختارته لتنظم على مقاطع بحره و تكتبه مفصلا و لكنها بالرغم من تمكنّها من كتابة
حبيبها إلا أنها لا تزال لم تتعرّف عليه بله أن تلتقيه و تنعم برؤيته...و ها هي
تكتب و تكتب و بتعبيرها تسبح و تسبح و ما التوكيد إلاّ دليل على إصرارها و
استمرارها في السباحة عساها تصل يوما إلى مرفئه ..
و لا أظنّ شاعرتنا ستصل إلى مبتغاها لأنها كلما أوصلها مدّ أرجعها جزر و العكس صحيح .. في هذا المقطع السّاحري و
على طريقة الأفلام الرومانسية تحملنا كلماتها على بساط من الخيال حيث تتداخل
الأحاسيس و المعاني بالألفاظ و المحسوسات لتدخلنا في عالمها الخاص الذي يجمع بين
الحقيقة و الخيال فأنت لا في عالم الحقيقة و لا أنت في عالم الخيال ..و هذا ملمح
جمالي آخر بديع و عجيب..
الهايكو الثاني:
·
لقلبي عينان
عين أراك بها
وأخرى تبصرك
من دون وجهك
أنا كفيفة
القلب هو ذلك السرّ الذي
أريقت نحوه بحار من الحبر و لم يزل بعد عصيّا على التّطويع و التعريف و التحديد ..و
ها هي شاعرتنا تزيد هذا القلب عجبا على عجبه و تنيب له عينين مبصرتين ..لست أدري
أعيونه تشبع عيون البصر أم هي من جنس خلق آخر .. على كلّ حال حتّى الشاعرة لم تقف
عن هذا التساؤل المنطقي و طفقت تفسر لنا بأنّ الرؤية الحقيقة إنّما هي رؤية القلب
عندما يرى حبيبها ماثلا أمامها و إلاّ فغيابه عن ابصار القلب يترك الشاعرة في عالم
من الظلام .. و إلا فهي كفيفة غير مبصرة بالرغم من أنّ الله لم يحرمها من نعمة
البصر و العينين السّالمتين...و العجيب في هذا النّص تقريها بأن عينا قلبها لكلّ
منها وظيفة خاصة بها إضافة للجمال الظاهري ..فإحداهما ترى الحبيب ماثلا أماما عند
حضوره و الأخرى تبصر روحه و طيفه عندما يكون غائبا ..ففي الحالين.. حال الغياب و
الحضور هو شاخص في قلبها و بصورتين مختلفتين...و هذا ملمح حماليّ مدهش رسمته لنا ريشة
خيالها الجامح...
الهايكو الثالث :
·
يدي التي لوحت لك
عند الرحيل
لا زلت أرفعها منذ عمر
أما زلت تراني
أم تراك أدرت وجهك عني؟
نرى الشّاعرة في هذا
المقطع التراجيدي الرومانسي تبدو كامرأة جميلة بيدها باقة أزهار و ورود و هي تلوّح
بيدها النّاعمة المرتعشة معلنة بداية غياب لا تدري متى ستعيد تلويحا ثانية ..و كم
كانت صادقة و ها هي سنوات العمر تنقضي و قطار العمر يوشك أن يبلغ محطّتها النهائية
و هي لا تزال لم تردّ يدها إلى مكانه عسى طيفها و صورتها و هي تلوّح بها في الهواء
أنْ يلتفت حبيها إليها فيحنّ قلبه و يراها فيسرع طافقا إلى حبيبته الواقفة ..غير
أنّ شعورا معتما آخر يراودها و يؤرّق عيشها و يقضّ مضجعها ..خوفها من أنّ حبيبها
قرّر أنْ لا يدير وجهه إليها.. لكنّها المسكينة سرعان ما تكابر و تعاند و تستمر في
مدّ يدها...
عندما نجمع المقاطع
الثلاثة يتبادر إلينا بأننا أمام مشاهد رومانسية لامرأة حالمة بطلتها هيّ بكلّ
أحاسيسها و أمالها و آلامها...و هذا ملمح جمالي يعجّ بالصّور و اللقطات و العقد و
كثير من الحبّ و الوفاء و الأمل...
و ارهف سمع قلبك لترانيم هذا الهايكو الأخير:
ما باله الحبر
يجف في حلق القلم
كلما أردت كتابة اسمك
أتراه هو أيضا
وقع في شباك هواك؟
و أترك للقارئ استخراج البعد
الجمالي الذي يضفيه هذا النحت الشّعريّ لتكتمل الصور الجمالية التي أمتعتنا به
شاعرتنا الرقيقة المرهفة الحسّ .
بولمدايس عبد المالك
قسنطينة 18.07.2020
الشاعرة سكينة مرتاح ذات شعور مرهف وواحساس قوي لها القدرة على مداعبة الكلمة و الغوص في أعمق المعاني السامية للإبداع بخيال لا متناهي احيانا تصل به إلى المبتغى وأحيانا كساب يحسبه الضمان ماء فتنهال كلماتها بغزارة وقوة المعاني محفوفة بالحسنات البديعة ما يزيدها رونالدو وجمالا فتعود الكرة لعلهالأرضية ترى مبتغاه عند إطلالة شمس أو غروربها أو عند خلقاً قلبها لسماع حركة أو زقلقة عصفور أو عندما وحضرها الذكريآت لعلها تعيش لحظة سعادة مضت او لحظة حب تلك هي كلمات العشق الابدي للشاعرة الملهمة س م
ردحذفقراءة جميلة جدا تحياتي
حذف