موسيقى الشعر....

في فلسفة الشعر و جمالياته (09)

موسيقى الشعر....

الموسيقى الدّاخلية للشّعر تأنس بها الأرواح المرهفة و الأذن الموسيقيّة الذوّاقة حيث تنساب الكلمات فيها بسلاسة و يسر و تنقدح معانيها سهلة طيّعة جياشة منسجمة وموافقة لهوى القارئ و توجّهاته و يرى تجليّات المعنى في أحسن حلّة و في أبهى صورة و في أجمل معنى ثمّ إنّ للألفاظ و توزع حروفها و تباعد مخارجها و تناغم مقاطعها حظا وافرا في تجلّى فكرة الشاعر و بلوغ الموسيقى فيها أوّج حالاتها الجمالية ...
و يتمثّل دور الشاعر في إيصال الفكرة نقيّة مكتملة قدر الإمكان و ذلك باعتماد الموسيقى الداخلية محاولا إبراز النّاحية الجمالية فيها حيث يعمد إلى اختيار الألفاظ بدقة و عناية و إحساس عال و يحرص كلّ الحرص على انتقاء ما ينسجم مع فكرته المعروضة من ناحية و ما يتناغم و باقي الألفاظ المعتمدة مراعيا في ذلك الذوق الجمالي للقارئ و مستوى التّلقي عنده حتّى لا تغيب الفكرة في زحم الجماليات فيتيه القارئ في متاهاتها و يبتعد عن مقاصدها المرجوة و مراميها المنشودة ..فكأن القارئ وجد أصدافا و أحجارا لكنها منفرطة متناثرة بغير انتظام و ترتيب ...
الشّاعر الناجح هو من يستطيع أن يعبّر عن أدقّ خلجات القارئ و اهتماماته و تطلّعاته و توجّهاته و بذلك يستفزّه و يحرّك فيه مكامن الجمال فيجعله يتناغم مع أفكاره و الألفاظ المنتقاة المختارة و مدركا للفكرة المعروضة تحت ترانيم و أنغام موسيقى ألفاظ عذبة و معان سامية ليس بينها و بين نفسية القارئ حواجز و لا تشويش و لا فوضى..ذلك بأنّ الجمال في النّفس فطريّ و أصل ركين فيها فيكفي أن يحرّك الشاعر أوتاره و يعزف مقطوعاته فتستقبلها النّفوس التّائقة المشوقة أحسن استقبال و تغيب فيها تحت تأثير خمرتها المعتقة بالجمل و البهاء و القيّم الفاضلة...




تعليقات