لقطات مهرّبة من حياة "صبرينة" مع الكاتبة الجزائرية مسعودة مصباح
لقطات مهرّبة من حياة "صبرينة" مع الكاتبة الجزائرية مسعودة مصباح
سيميائية العنوان:
"صبرينة" اسم يطلق على المرأة مادته اللغوية الأساسية " ص ب ر"
أي أن اشتقت من الصّبر الذي يعني صبر
الفرد على ما يكره أو ما يحبّ ..و السّؤال : هل لهذا العنوان علاقة من بعيد أو
قريب مع أحداث الرواية ؟ و هل للبطلة صبرينة حظ وافر من اسمها؟ ، ذلك ما ستجيب عنه
أحداث و ملابسات هذه القصّة ذات البعد الاجتماعي ..و خاصة و قد تزامنت كتابة
مشاهدها و فصولها مع جائحة كورونا التي شغلت العالم بأسره ..
تستهلّ الكاتبة مصباح مسعودة
روايتها بفعل مضارع " تغيب ملامحي " ثم تمعن في ذلك : " تدقّ ،
ازداد ، أنعش ، تعانق ، يدق ، تسابق ، تحملنا ، يعرفا .." و كأنّي بالكاتبة
قد تعمّدت تصدير روايتها بهذه الفقرة الفارقة لتؤكّد على أنّ روايتها حيّة لا تموت
و متجدّدة الأنفاس و الظهور ذلك أنّها ليست متعلقة بخصوص السبب بل بعموم اللفظ أي
أنها سوف تستمر لتظهر في صورة امرأة ثانية ليست بالضرورة أن تكون
"صبرينة" ..ذلك ما يعكسه أيضا تكرار أفعال المضارع و توكويدها ليفيد هذا
الفعل دوام الاستمرار و التّجدد متى وجدت ظروف ميلادعه..و هذا حال كل موضوع أو عمل
اجتماعيّ إنسانيّ ..فكم من جون فالجون مات و كم منه من سيولد و كم منه من سيتمر..
و هناك ملمح ثان في هذه
الديباجة المصدّر بها ركوبها متن الاستعاراة و التخييل و الكناية و المجاز ليمتزج
الشعور الإنساني الحيّ مع ألفاظ و تراكيب اللّغة فيشكلان معا أجنحة إضافية تحلّق
بهما الرواية في فضاءات أرحب و أسمى و أصدق..
ما هي إلاّ سطور معدودات حتى
تتحولّ الكاتبة مصباح مسعودة من صيغة المضارع إلى صيغة الماضي " كان
الصباح.." لتعيدنا إلى أول الطريق و الحكاية و ما لفهما من أحداث و وقائع..
لا يخفى على القارئ أنّ الرواية كتبت زمن الحجر الصحي – داء الكورونا- ..
الرواية تضمنّت أركان قامت
عليها من وصف شاعري و عقلاني و أمكنة
تراوحت بين المنزل و المدرسة و الشارع و المتجر و الحديقة العمومية و حوار بنّاء بين شخصيات الرواية و أشخاصا سمتهم
بأسمائهم " جمال، زهرة ،الوالدان و الأخوان و صديقتها زهرة و منال و خطيبها
المنقذ لها ..و أمّا الزمن فوقت الكورونا من ألفية ههذا الزمن و أحداث كثيرة
تزامنت و كتابة الرواية .....
أحداث الرواية تظهر فيها
البطلة امرأة حساسة عاطفية و ملتزمة لكنّ حدثا ما وقع لها غيّر من مجريات حياتها و
مواقفها المستقبلية و كلّما أسلمت نفسها إلى سجن الذكريات إلاّ و أفرغت جام
أحاسيسها و بركان مشاعرها لتجبر على عيش
خذلان قاهر رابض و حسرات تتجدّد عند أصغر شرارة لتتحول إلى نار تحرق هدوءها و
طمأنينتها..مشكلة هذا الشعور المحبط هو معاودته لها كلّما ظهر بعض أسبابه و ما
سببه الرئيس إلا حبّها الأول " جمال" و وقعه الهستيري على اتزانها كلّما
ظهرت صورته الحقيقية أمامه..و اختيار الكاتبة لاسم عشيقها جمال يطرح مجموعة من التساؤلات:
هل هو جميل وسيم كاسمه ؟ هل
له حظ وافر من اسمه؟ و هل خيانته لها أنقصت من بهارج جمال اسمه؟ أم هل الجمال مجرد
اسم لا حقيقة لها في الواقع ؟ أي أنّه
مجرد خدعة ظاهرية سرعان ما تنكشف حيلتها و زيفها مع أول قطرة موقف و حدث ؟
و تحت جنح هذه المشاعر تستمر
تفاصيل قصة " صبرينة" ..لكنحين التقته هذه المرة مع زوجته جعلها تغيّر
من موقفها و تشحذ همّتها على قلب صفحة الماضي و التّخلص من سجن الذاكرة لتفتح صفحة
جديدة مع ميلاد وضع جديد و أفقا مغايرا تماما امسار حياتها السّابقة ..و تتوالى
العقد و تلتقي به مجددا لكنّها تتجاهله و تمضي إلى عملها في إباء و شموخ لكن هذا
المشهد الجديد فتح من جديد جرحها الملتئم و أدخلها في دوامة من التفكير و العزلة
..موقفها الحاسم المتمثل في رفضها التام له و لكل حديث معه رغم دخولها زحمة التفكير الماضوي و الذكريات
المتراكمة في الوجدان..لكن هذه المرّة قطيعة لا ربأ بعدها و هجر لا تقارب فيه..
الملفت للانتباه في هذه
الحادثة أن البطلة "صبرينه" امرأة أصيلة و حاسمة و ملتزمة لسببين
ظاهرين:
-
صرامتها و حسمها
النهائي في علاقتها مع "جمال" .
-
تجاهله كليّا و طمس كل معالم علاقتهما الماضية و تعمدها
غلق صفحتهما الماضية بصفة نهائية..
مما يؤكّد على جديتها و
التزامها و أخلاقها العالية و هذا ملمح اجتماعيّ مهم..
و هكذا
تستمر الكاتبة مصباح مسعودة في استجلاب العقدة تلو الأخرى مستغلة الوضع الخطير و
المأسوي الذي يمر به العالم " داء الكورونا " و أعقبه من حالة هستيرية
بلغت أعلى مستوياتها ..لتأتي العقدة الأخيرة المتمثلة في ظهور " عمر"
هذا الوافد الجديد إلى حياتها لتبدأ تفاصيل فرح جديدة تتشكل تحت مظلة السحر الحلال
..فللقدر أحكامه و للقلب أيضا أحواله..الأهم أن تكون النّهايات جميلة ، و سعيدة
لتعقبها بدايات حياة سعيدة متجددة ..
و بعد هذه السياحة السريعة
يمكن القول بأنّ الرواية قد بعثت برسالة اطمئنان للمتسرعين و المتسرعات و العابثين
و العابثين و بأنّ أقدار الله تعالى المفرحة هي التي يكون لها الفصل و الحسم في
نهاية المطاف ..و الرواية على قلّة صفحاتها تميّزت بـ:
-
المزج بين الشّاعرية و السرد العقلاني المجرّد حتى يشعر
القاريء بأن تلك الفقرات الشاعرية التي رصّت بها جدران روايتها قد كتبت في فترات
مختلفة من الزّمن لتجمعها هذه الرواية نصف الطويلة..
-
الرواية تعالج مشاكل اجتماعية عدة تحتاج كل منها إلى رواية خاصة
تتفرد بها و التي منها:
1-
مشكلة العلاقات الاجتماعية الخاصة كعلاقة الشاب بشابة
مثلا و ما ينجرّ عنها من ملابسات و خيبات و كوارث في كثير من الأحيان حكال بطلتنا
"صبرينة"..
2-
مشكلة البطالة المنتشرة و المتفاقمة و قلة فرص التوظيف
فمثلا البطلة كانت متعاقدة فقط ..
3-
أثر التكنولوجيا الحديثة على الأفراد و المجتمعات و
خطرها الكاسح إن لم تضبط بمعايير صارمة..
4-
مشكلة المنظومة التربوية مع الأجيال المتعاقبة و صراع
الإيرادات فيها مع ضرب بعض الأمثلة ككثافة البرنامج و التوزيع الزمني و ثقل
المحافظ و قلة الاستيعاب على حساب ضخامة البرامج و غيرها..
-
عودة الأسرة زمن الالكورونا إلى عهدها الخالي المتمثل في
اجتماعها و أخذ قسط وافر من الوقت مع بعضها بعض..
و هناك موضوعات ثانوية
تناولتها الرواية لمن أراد التعمّق في قراءتها ..لغة الرواية بسيطة واضحة لا غموض
فيها و لا تعقيد لأنها تتناول مشاكل اجتماعية نابعة من صلب المجتمع كما أنّها
موجهة إلى كلّ فرد من أفراد المجتمع دون تمييز و مثل هذا الأسلوب يتناسب مع
الأغلبية الغالبة من المجتمع ..
تكمن قيمة هذه الرواية أيضا
كونها تتزامن مع حدث " الكورونا" و كأنّها تؤرّخ لهذه الفترة العصيبة
لكن من زاوية أديبة مميّزة..هذا و بالله التوفيق .
قسنطينة في 17/10/2024
تعليقات
إرسال تعليق