الأحكام المسبقة

سلسلة حلّق بفكرك (04)

الأحكام المسبقة سيف ذو حدّين ...

الحكم المسبق إن لم يستند إلى وقائع عملية أو إلى براهين دامغة لا اعتبار له في ميزان الحقيقة...و حامل لوائه لا يعدو كونه مخادعا لنفسه ، ضاحكا من عقله .
الأحكام المسبقة بيانات خام أو مادة أوليّة تحتاج الى انصهار و تكرير لترتقي الى مستوى معلومات حقيقية يمكن اعتمادها في إعطاء حكم نهائي أو اتخاذ قرار ما أو وضع ملامح خطة ناجح أو بديلا مؤقتا وعلى عجل ...
في كثير من الأحيان يكتفي الشخص بإعطاء حكم ما في شخص ما اعتمادا على أحكام مسبقة بثّتتها وسائل إعلام معينة أو أبواق أشخاص مغرضين ، أو وجهات نظر وليدة حسّ عابر أو هاجس خطر على بال....
و من الحكمة التريث في إثبات الأحكام المسبقة ، و وضعها في بوتقة النّقد ، و إعطائها الفرصة الكافية و الوقت المناسب و التأمل العميق المتأني ....
هذا ما يفرضه العقل الواعي الناضج الذي يريد البناء و التأسيس لا غير...
أعرف مسؤولين كثيرين ظلموا أشخاصا مخلصين أكفاء من خلال حكم سابق دسّه ُشخص كاذب تسربل بأثواب النصيحة و الحرص الشديدين فضحّوا بهم و عزلوهم ....فكانوا بعد مدّة هم أوّل الضحايا و خسروا مناصبهم العليا و رُتبهم الراقية..ذلك بأنهم
ألغوا عقولهم و عَوّلوا على ادعاءات كاذبة و أحكام مسبقة خاطئة....
و لنا في العلامة جابر بن حيان رحمه الله عبرة لمن أراد أن يعتبر نظر في الكتب المنشورة في وقته فوجد قراطيس منها كثيرا و نظر الى النظريات المدرجة و التجارب التي يدعي أصحابها بأنهم جربوها قبل أن يخرجوا بنتائج تجاربهم فوجد منها زخما كبيرا، فقرر بعبقرية العالم الخبير و همة الناقد البصير ألا يثبت تجربة أو حكما او نظرية إلا بعد القيام بتجربة في مخبره الّذي أعده خصيصا لذلك، فما أكّدته التّجارب أثبته و قيّده في كتبه و ما لم تأكّده التجربة رماه في سلّة المهملات التاريخية...
و جدير بمن تولى مسؤولية ما أو قيادة عمل معين أن يقتفي أثر هذا العالم الجليل و يضع الاحكام المسبقة موضع التجربة و التمحيص و الاختبار، جاعلا من الزمن جزء من الحقيقة و العلاج و معتمدا على الاحكام الصحيحة التي بنيت على وقائع حدثت لا سُمعت أو كُتبت أو هكذا قيلت...
بولمدايس عبد المالك
08.07.2020

تعليقات